يانفس توبي

2

 

يا نفس، يا حرون [1‌]، كفاك بعدا عن الله، اتركي المعاصي وتوبـي إلى ربك, دعي هواك

وأنيبـي إلى خالقك. لا تغترّي بصحة بدنِك وبسلامة أمْرِك، فالعمر قصير ودوام الصحة

مُستحيل. لو علمتِ ما بقي من أجلِك لقصّرتِ من أملِك، ولرغبتِ في الزيادة من عملِك.

فبادري بالتوبة النصوح واحذري التسويف. اعملي صالحا واستعدّي للقاء الدّيّان قبل

أن يلقاك غدا ندمُك، وقد باعَدكِ القريب، وقلاَكِ الحبيب، فلا أنت إلى دنياكِ عائدة، ولا في

حسناتكِ زائدة

يقول أمية أبو الصلت :

 

سكنتك يا دار الفناء مصدقـا              بأنـي إلى دار البقاء أسيـر

وأعظم ما في الأمر أنّي صـائر          إلى عادل في الحكم ليس يجور

فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها          وزادي قليـل والذنوب كثير

فـإن أك مجزيـا بذنـبي فإنـني                بشرّ عقـاب المذنبين جدير

وإن يـك عفو منـه عني ورحمـة                  فـــــثـــم نعيـم دائـم وســرور

 يا نفس، يا آبـق، ارجعي إلى سيّدك، توبـي إلى الذي لا تنْـفـُعه طاعتك ولا تضُرُّه معصيتـك

إنما عملُكِ لكِ لا لَهُ ؛ إن وجدْتِ في صحيفتِكِ خيراً فبفضل منه ومِنّة، وإن وجدت غير ذلك

فمن لُؤْمِك وسَقَطِك. اتّعِظي بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :    « ما ندمت على

شيء، ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي ». فالأيام صحائف

الأعمار، وكل يوم يمُرّ       يزيدُكِ من المنية اقْترابـًا، فاغْتنمي صحّتكِ وفراغكِ وخَلِّدي

أيّـــــامكِ بأحسن الأعمال

 

يا نفس، كم عادَيْتِ ثم اعتديتِ، كم همَمْت ثم اقْترفت. طوبى لكِ إن تداركَتْكِ رحمةٌ من الكريم

الوهاب، فندمْتِ واعترفتِ، ثم اهتديتِ وأصلحت. طوبى لكِ  إن مِتِّ  ماتت معك ذنوبَكِ. إياك

والسيئة الجارية التي يصل إليك إثمها في قبرك بعد موتك. طوبى لكِ إن لم     تتحمّلي ذنوب

غيرك. فجددي التوبة، واسألي الله، جل جلاله وعم نواله، الثبات وحسن الخاتمة 

 

 قدم لنفسك توبـة مرْجُـوّة               قبل الممات وقبل حبس الألسن

بادرْ بها غَلَقَ[2‌] النفوس فإنهـا                   ذخرٌ وغُنْمٌ للمنـيب المحسـن

 

يا نفس، لا تقنطي من رحمة الله وتُعظِّمي ذنوبك، لا تسْتَسْلِمي لليأس وتستمرّي في غلوائك.

فمهما تفاقمت الذنوب، وتكاثرت المعاصي، واستحكمت الغفلات، فعفْوُ الله أعظمُ ولا قنوط من

رحمة الله ولا بُعْد من الله. فالله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مُسيءُ النهار، ويبسط يده

بالنهار ليتوب مسيء الليل، وذلك حتى تطلع الشمس من مغربها. ما دام في العمر بقية

فهناك إمكانية توبة، وفرصة استدراك، وعقْدُ عزم لطلب المعالي، والإحسان فيما بقي لكي

يتجاوز الله عما مضى

 

 قال أبو نواس :                                                                                                                           

يا ربّ إن عَظُمت ذنوبي كثرة          فلقد علمتُ بأنَّ عَفوكَ أعظمُ

إن كان لا يرجوك إلا مُحسنٌ          فمن الذي يرجو ويدعو المجرمُ

مالي إليك وسـيلةٌ إلاَّ الرجـا          وجمـيلُ عفوك ثم أني مسلـم

 

 ذ عمر محاسن

 

 فرسٌ حرون : لا ينقاد وإذا اشتدّ به الجري وقف.    [1‌

 [2‌] غَلَق الرهنُ غَلَقا : إذا لم يُقْدر على افتكاكه 

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *