اَلْمَرَاجِع : صِفَةُ اَلصَّفْوَة للإمام ابن الجوزي و الرياض النظرة للطبري ونهايةالأرب في فنون الأدب للنويري
عن هشام بن عروة قال : بلغ عائشة رضي الله عنها أن أقواما يتناولون من أبيبكر رضي الله عنه فأرسلت إلى أزفلة (نخبة) منهم. فلما حضروا سدلت أستارهاوعلت وسادها ثم دنت فحمدت الله تعالى وصلّت على نبيه محمد صلى الله عليهوسلم وعذلت وقرعت (لامت وعاتبت). ثم قالت
أبي وما أبيَهْ ، أبي والله لا تعطوه الأيدي (تناوله) ، ذاك طوْدٌ مُنيف (الجبلالمشرف)، وفرع مديد ؛هيهات كذبت الظنون، أنجح إذ أكديتم (خبتم ويُئِس منخيركم ومنعتم العطاء)، وسبق إذ ونيتم (فترتم وتكاسلتم) ؛ سبْق الجواد إذا استولىعلى الأمد (الغاية والهدف) ، فتى قُريشٍ ناشئاً ، وكهفها كهلاً ، يفكُّ عانِيَها ،ويَريشُ مُمْلِقَها (يُعطي ويُفضل الفقير) ، ويَرْأَبُ شَعْبَها (يجمع المتفرق) ، ويلمُّشعثها ، حتى حَلِيَتْهُ قلوبها ، ثم استشرى في دين الله (جَدَّ) ، فما برحت شَكيمتُه(الأنفة والحمية) في ذات الله عز وجل حتى اتخذ بفِنائه مسجدا يُحيي فيه ما أماتالمبطلون ، وكان رحمه الله غزير الدمعة ، وَقِيذ الجوانح (رقيقا ذو عاطفة جيّاشة)، شجيَّ النَّشيج (الحزين ، صوت البكاء) ، فانقضت إليه نُسْوانُ مكة ووِلدانهايسخرون منه ويستهزؤون به » الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون »،فأكبَرَتْ ذلك رجالات قريش (جمع الجمع للإستكثار) ، فحَنَتْ له قِسِيَّها ، وفوَّقت لهسهامها (صوبت) ، وانتثلوه غرضا (نصبوه هدفا لسهام ملامهم وأقوالهم) فما فلّواله صفاةً (الصخرة الملساء) ، ولا قصفوا له قناةً (كسروا) ، ومرَّ على سيسائهشدة أمره، السِّيساء : عظم الظهر) حتى إذا ضرب الدِّينُ بجِرانِه (الصّدر) ، وألقى بَرْكه ، ورستْ أوتاده ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، ومن كل فرقة أرسالاًوأشتاتاً ، اختار الله لنبيِّه ما عنده ، فلما قُبِض صلى الله عليه وسلم نصب الشيطانرِواقَه (الخيمة) ، ومدَّ طُنُبَه (حبل الخيمة)، ونصب حبائله ، وأجلب بخيله ورجله،واضطرب حبلُ الإسلام ، ومرِجَ عهده ، وماج أهله (اختلفوا وتنازعوا)، وبُغيَالغوائلُ (البلايا والفتن) ، وظنَّت رجال أن قد أكثَب نَهْزُها (انتهاز الفرصةواختلاسها) ، ولات حين الذي يَرجون ، وأنّى والصِّديق بين أظهرهم ؟ فقام حاسرامُشمِّراً ، فجمع حاشيتَيْه ، ورفع قُطْرَيه (تحزَّم للأمر وتأهَّب له) ، فردَّ رَسَنَ الإسلامعلى غرْبِه (أعاده إلى ما كان عليه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، ولَمَّشَعَثَه بطبِّه (الدواء) ، وأقام أَوَدَهُ (العِوَج) بثِقافه (تقويم الرماح) ، فاندفر النفاقبوطئه (تفرق) ، وانتاش الدين (أي أزال عنه ما يُخاف عليه) فنعشه (رفعه) ، فلماأراح الحقَّ على أهله (أعاد الزكاة التي منعتها العرب فقاتل عليها حتى رُدَّت) ،وقرّر الرؤوس على كواهلها (وقى المسلمين القتْل) ، وحقن الدماء في أُهُبها(أجسادها ، الأهب : الجلد) ، أتته منيَّتُه ، فسدَّ ثُلمتَه (الكسر) بنظيره في الرحمة ،وشقيقه في السيرة والمَعدلَة (الاستقامة ومجافة الظَُلم) ، ذاك ابنُ الخطَّاب ، لله دَرُّأم حَفَلت له (جمعت له اللبن) ، ودرَّت عليه ، لقد أوحدت به (جاءت به منفردا لانظير له)ففَنَّخ الكفرة (أذلها) ودَيَّخها (صغَّر بها) وشرَّد الشرك شذرَ مذرَ (تفريقاً ،يقال : شذر مذر، وشغر بغر، بمعنى واحد) ، وبعج الأرض وبخعها (شقهاواستقصى غلَّتها) ، فقاءت أُكلها (أخرجت خيرها) ، ولفظت خبيئها ، ترأَمه(تُغريهويصدف عنها ، وتصدَّى له ويأباها ، ثم وزَّع فيها فيئها ، وودعها كما صحبها ،فأروني ماذا تريبون ؟ وأيَّ يومي أبي تنقمون ؟ أيوم إقامته إذْ عدل فيكم ، أم ظعْنهفقد نظر لكم ؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
ثم أقبلت على الناس بوجهها فقالت : أنشدكم الله ، هل أنكرتم مما قلت شيئا ؟ قالوا :اللهم لا
|